قنديلٌ بلا زيت ،،

“نهايٰت صبحي الداغستاني”

بات قنديلي بلا زيت ، فلا ارى غير العتمة في طريقي ،،أسير بلا دليل،خطواتي مقهقرة ، اختلط اليمين مع الشمال،إلى اين ؟! .. لستُ أدري.
جلستُ بجانب الطريق أتأمل وحدتي ، مر طفل أمامي بدراجته الهوائية ، فعدت بذاكرتي لسنين طفولتي حيث السعادة كانت تكمن بقطعة حلوى صنعت من السكر ومبروش جوز الهند اشتريها من (عمو هاشم) الذي يقنط في حييّنا ..
كنت ارقص لزخات المطر وأقفز تحت قطراته العب والهو قليلاً ثم أذهب لأجلس عند جارتنا العجوز المقعدة ، التي تدعى(حجية صانية) ، امرأة طاعنة السن رسم الزمان خطوطاً على وجهها وأسقط معظم أسنانها وملأ الشيب رأسها ، وقد اعتادت يومياً ان تجلس على كرسيها عند عتبة بابها القديم ،،
كل مساء كانت تلك العجوز تتأمل جمال الحياة وتراقب حركات اطفال يلعبون امامها ؛فما ان اراها جالسة حتى أٌسرع لمجالستها لاقضي بعض الوقت معها .. رغم حالها كانت تمتلك وقاراً عجيباً ، كنت أسلم عليها كالكبار رغم عمري الصغير فترد بصوتها المنهك اهلاً ابنتي ، ثم أجلس بقربها بإحترام شديد، وأشعر انها شيءٌ ثمين ونادر بالنسبة لي ولابد من الإصغاء لها وهي تتحدث بصوتٍ مرتجف اعياه تعب السنين .تتحدث عن حياتها وكيف كانت تستمتع ببساطة العيش وهدوءه،ثم تكلمني عن ابنها الوحيد الذي سافر مرغماً ،، تتوقف قليلا وتبكي بهدوء ، تنزل دموعها على خدها وأنا أتأمل تلك التقاسيم الحزينة في وجهها وهي تمسح دموعها بمنديلٍ مطرزٍ قديم يبدو انها صنعته بيدها ، كنت اكتفي بالاستماع لها بهدوء دون تعليق او مواساة لانني لا اجيد ذلك وانا بهدا العمر الصغير .
مرت الأيام مسرعة ،، ماتت تلك العجوز غفر الله لها ، وصرت اردد ذكراها بين الحين والاخر واحدث صغاري عنها وكانني استرجع شريط فلم لايغادر ذاكرتي رغم مرور السنين ..
وبسرعةٍ متناهية ودون سابق إنذار ، وجدت نفسي فجأة أحمل مسؤولية كبيرة تثقل كاهلي اعجز عن حملها ،،تارةً أفكر في التخلي ،، تارةً تهاجمني افكارٌ تقلقني وتذبحني ذبحاً …
وها انا مازلت على قارعة الطريق وإذا بي طيفٌ أبيض وقف أمامي ألقى التحية بصوت دافئ حنون فرددت التحية بدهشة،، تمتم بكلمات لم أسمعها جيداً لضوضاء وصخب الشارع , واعطاني مسبحة ونظر في عيني متأملاً للحظات ثم توجه لعربته وتابع طريقه حيث لا اعلم ..
ترى من كان هذا الشخص ؟! ولماذا لم اسأله ؟! وماذا كان يبغي مني ؟! أهو هبة من الله ؟! أم لطف القدر ؟! اما ماذا ،، لا ادري ،، لكنه أضاف بهجة ليومي..ليتني ألقاه مرةً أخرى..سؤالٌ يراودني ، لماذا أريد أن ألقاه ؟! لا ادري ؟! ..
رباه..كل منا يحمل هماً أنت أعلم به.. نرجو عونك وتوفيقك ورضاك ..

Loading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *