قرطان …
زهرة الخالدي
كأني المح خيالها من بين شجيرات الآس، تبتسم بحياء وهي ترقبني بشوق يشوبه القلق، لم أتذكر بأني التقيتها يوما دون هذا القلق، وكأنه صار امراً لازماً في علاقتنا، حتى لأحسب أن لقاءً دون قلق كان مصيدة تتربص بنا، أمر قـربَ تلك الدار كلما ألح بي الشوق ، ادنو قليلا كي ألامس الجدار الذي طالما اسندت ظهرها إليه، وهي تستمع إلى كلماتي وأشعاري التي أصبها في إذنيها الجميلتين المزينتين بقرطين صغيرين، كنت قد اهديتهما لها يوم نجاحها في الثانوية، واقسمت وقتها بأنها لن تخلعهما مهما كلف الأمر، أتذكر بعد يومين، طلبت أن نلتقي، نظرت عندها بعينين دامعتين وقالت سأتزوج ابن عمي، هكذا قرر والدي.
لم استوعب الخبر لحظتها، بقيت مشدوها، ارتسمت على شفتي ابتسامة بلهاء، فسرت موقفي حينها بالتخاذل، لم تسامحني ابدا، – على الرغم من معرفتها بظروفي القاهرة، حيث كنت عاملا اجيرا عند والدها- لم تسامح هيامي بها واشتياقي الذي منعني من الارتباط بأي إمرأة أخرى، على الرغم من افتراقنا منذ سنوات .
لم اتمالك نفسي حين سمعت بعودتها إلى مدينتنا بعد أنتقال زوجها بحكم عمله.
كالمجنون هرعت إلى بيت أهلها الذي سكنتْ فيه مؤقتا ريثما ترتب وضعها ، أحوم حوله. ترى هل تتذكرني؟! هل تتذكر عشقها لي؟! هل تتذكر عهودها التي قطعتها على نفسها بأنها لن تكون لأحد غيري؟! وإن حصل هذا فسيتملكها جسدا لا روحا!
ابتسمتُ ساخرا من عهود بنات حواء، سرتُ وفي خاطري يجول قول الشاعر:
( دع ذكرهن فما لهن وفاءُ
ريح الصبا وعهودهن سواءُ)…
بقيت أياما وأنا احوم حول بيتها كالناسك الذي يطوف حول معبدهِ . لعلي اظفر برؤية وجهها الجميل، الذي لم يفارق خيالي لحظة. وها هو الحظ يبتسم لاصادفها برفقة أمها التي هشت بوجهي وقالت بعطف من يتكلم مع طفل، فقد كانت تحنو علي كثيرا :
هذه شيرين الم تتعرف عليها؟! شيرين ألم تتذكري سلام ابن منطقتنا؟ ردت بعدم اكتراث :
لا… لا اتذكره… واشاحت بوجهها،
تأملت مأخوذا صفحة خدها الذي أزداد حمرة، ومذهولا بقرطها الذي أهديته لها حين نجاحها في الثانوية.